أهمية الحوكمة: ركيزة أساسية للنجاح والاستدامة

هل تساءلت يومًا عن أهمية الحوكمة وتأثيرها على التنمية المستدامة والاستقرار الاقتصادي؟ إن الحوكمة هي مفهوم شامل يعكس صحة وفعالية الأنظمة في القطاعات، وهي عنصر حيوي يرتبط بتحقيق التوازن والتناغم بين مختلف جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

ظهور مفهوم الحوكمة (Governance) في الآونة الأخيرة يرجع إلى عدة عوامل وتطورات في العالم الاقتصادي والسياسي. تشمل هذه العوامل القضايا المتعلقة بالسلوكيات الغير أخلاقية وسوء الإدارة التي شهدناها في الشركات والمؤسسات الكبرى، مما دفع الجمهور للمطالبة بنظام حوكمة فعّال يحسن الشفافية والمساءلة ويكافح هذه السلوكيات. بالإضافة إلى ذلك، زاد الوعي بأهمية الحوكمة في تحقيق التنمية المستدامة والاستقرار الاقتصادي، وتزايدت التدابير التنظيمية والرقابية على الأنشطة المالية والشركات بعد الأزمة المالية في عام 2008. كما شهد العالم تحولًا نحو المزيد من المسؤولية الاجتماعية للشركات والمؤسسات، وهنا تلعب الحوكمة دوراً هاماً في تعزيز المساءلة والأخلاق في إدارة الشركات واتخاذ القرارات.

في تجارب سابقة، تم تسجيل أزمة شركة إنرون (Enron Scandal) في عام 2001 والتي كانت من أكبر شركات الطاقة في العالم، حيث بلغت إيراداتها 111 مليار دولار وسعر سهمها 90 دولار. ولكن تبين أن هذه الأرقام مبالغ فيها وتم إجراء تحقيق للتحقق من صحتها، حيث تم اكتشاف تلاعب من قبل أعضاء مجلس الإدارة لتضخيم الأرباح وزيادة حصتهم. أدى ذلك إلى انهيار الشركة وفقدان الثقة فيها من قبل العملاء والمستثمرين وتأثر بهذا الضرر المساهمون والدائنون والعملاء والموردون والموظفون.

لذا، وجب وجود قوانين وإجراءات ومعايير لحماية المساهمين وأطراف العمل المرتبطة بالشركة. ويُطلق على هذه القوانين والإجراءات مفهوم الحوكمة (Governance) أو ما يعرف بـ "الحوكمة الرشيدة". نستطيع هنا تعريف الحوكمة على أنها المعايير والأنظمة والقوانين التي يتم من خلالها توجيه وضبط ورقابة المؤسسات والمجتمعات، إذ ينطوي ذلك على وضع وتنفيذ السياسات واتخاذ القرارات وإدارة الموارد لتحقيق أهداف محددة وضمان المساءلة.

يعود أصل مصطلح الحوكمة الى كلمة اغريقية قديمة (Governance) والتي تعبر عن قدرة ربّان السفينة في قيادتها الى بر الأمان نتيجة لما يملكه من حس ومهارة في المحافظة على أرواح وممتلكات الركّاب. تتعدد أهداف الحوكمة التي يمكن تطبيقها في القطاعات، ومن أهمها:

1.     الحفاظ على مصالح المساهمين والأطراف المرتبطة بالمؤسسة.

2.     تحقيق التوازن بين استقلالية المجلس والخبرة والمواهب وفقًا لطبيعة ونطاق أعمال الشركة.

3.     ضمان دقة تقارير الأعمال.

4.     السيطرة الداخلية وإدارة المخاطر.

5.     الكشف عن جميع المعلومات المهمة.

6.     تعزيز المساءلة ووظائف الرقابة الإدارية.

كذلك، تبرز أهمية مبادئ الحوكمة في التحكم بالعمليات الإدارية واتخاذ القرارات في المؤسسات والمنظمات، سواء كانت حكومية أو خاصة، ومن أبرزها الشفافية والمساءلة والنزاهة وإدارة المخاطر والاستدامة.

1.   الشفافية

يبرز دور الحوكمة في نشر وتعزيز مفهوم الشفافية لتمكّن القطاعات من توفير المعلومات والبيانات بشكل متاح وفعال للجمهور، بحيث تكون القرارات والأنشطة مفهومة ومرئية.

2.   المساءلة

في سياق الحوكمة، تعتبر المساءلة ضرورية لضمان ممارسة السلطة بطريقة شفافة وعادلة ومسؤولة، حيث توفر الحوكمة آليات للمساءلة والمراقبة للتأكد من أن القرارات والأعمال تتوافق مع المصالح العامة والمعايير الأخلاقية.

3.   النزاهة

تفرض الحوكمة على القادة والموظفين أن يلتزموا بمعايير السلوك الأخلاقي والقانوني وتجنب أي صراعات مصالح، حيث يتطلب ذلك تطبيق سياسات مضادة للسلوكيات الغير أخلاقية وتعزيز ثقافة النزاهة داخل المؤسسة.

4.   إدارة المخاطر

يتعين على المؤسسة تحديد وتقييم وإدارة المخاطر المحتملة التي قد تؤثر على أدائها وسمعتها من خلال تطوير إطار عمل لإدارة المخاطر واتخاذ إجراءات للتعامل معها.

5.   الاستدامة

تشير إلى الجهود المستدامة للحفاظ على التوازن بين الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية للعمل، حيث يجب أن تهتم المؤسسات بتقليل تأثيرها البيئي وتعزيز الممارسات المستدامة والمسؤولة اجتماعياً. تشمل أيضًا مسؤولية المؤسسات تجاه المجتمعات المحلية والمشاركة في الجوانب الاجتماعية والبيئية لتحقيق التنمية المستدامة.

تشير الحوكمة إلى المبادئ والممارسات التي تحكم عمليات إدارة واتخاذ القرارات في كل من القطاع العام والقطاع الخاص. على الرغم من أن هناك بعض التشابه في مبادئ الحوكمة بين القطاعين، إلا أن هناك أيضًا بعض الاختلافات الرئيسية فيما يتعلق بالهدف والهيكل والتطبيق.

تهدف الحوكمة في القطاع العام إلى تحقيق المصلحة العامة وتعزيز الشفافية والمساءلة والعدالة في اتخاذ القرارات الحكومية. ويتم تطبيقها على مستوى الدولة وتشمل مبادئ مثل فصل السلطات والمساءلة السياسية والمشاركة المدنية، إذ تسعى الحكومات إلى تحقيق التوازن بين الاحتياجات المجتمعية المتعارضة وتلبية تطلعات المواطنين. وترتبط هياكل الحوكمة في القطاع العام بالأجهزة التنفيذية والتشريعية والقضائية و تشمل الدستور والقوانين، الهيئات التشريعية الحكومة والوزارات، الهيئات التنفيذية، الرقابة والمراجعة. تتفاعل جميع هذه العناصر في نظام الحوكمة للعمل سويًا لتحقيق الاستقرار والتنمية الشاملة للمجتمع. كما يجب أن تكون هذه الهيكلة متوازنة وتعتمد على الشفافية والمساءلة والمشاركة الفعّالة للمواطنين لضمان تحقيق أفضل النتائج في خدمة المصلحة العامة.

من ناحية أخرى، الحوكمة في القطاع الخاص ترتكز على تحقيق المصلحة المالية للشركات والمؤسسات الخاصة، وتهدف إلى زيادة الشفافية وتعزيز القدرة التنافسية وتحقيق النمو المستدام. تشمل مبادئ الحوكمة في القطاع الخاص توزيع الأدوار والمسؤوليات بين مجلس الإدارة والإدارة التنفيذية، وإقرار معايير المساءلة المالية والإفصاح العلني للمعلومات. في حين هياكل القطاع الخاص ترتبط بإدارة المؤسسات التجارية والشركات. في الماضي، كانت المشاريع تعني الحرف اليدوية البسيطة أو المشاريع التجارية الصغيرة. ولكن مع ظهور الثورة الصناعية في أوروبا في القرن التاسع عشر، ظهرت المشاريع العملاقة والمصانع التي تحتاج إلى رؤوس أموال ضخمة. وكان لدى هذه المشاريع مساهمين ومستثمرين يسعون للحفاظ على استقرار أعمالهم وأموالهم. ومع ذلك، بدأت المشكلة في معرفة من سيدير هذه المشاريع، حيث لم يتم التوصل إلى اتفاق حول شخص واحد قادر على إدارة الشركة.

وهنا ظهرت نظرية الوكالة (Agency Theory)، التي تعكس مفهوم فصل الملكية عن الإدارة. تقوم هذه النظرية بتعيين أشخاص غير المساهمين (أصحاب المصلحة)، من خلال اجتماع سنوي يُعرف بـ"الجمعية العمومية التأسيسية"، ويتم اختيار هؤلاء الأشخاص بناءً على خبرتهم ومهاراتهم في إدارة الشركة، ويطلق عليهم مجلس الإدارة (Board of Directors). لكل طرف من هؤلاء الأطراف أدوار رئيسية تتمثل بالمحافظة على أداء الشركة وإدارتها بالشكل الصحيح.

من المهم أن ندرك أن الحوكمة ليست مجرد مسألة نظرية، بل هي نهج عملي يُحسن من أداء المؤسسات ويحمي حقوق المساهمين ويعزز الاستدامة. وبفضل الحوكمة الفعّالة، يُمكن للمؤسسات أن تلعب دورًا بارزًا في تحقيق التنمية المستدامة والاستقرار الاقتصادي.

تعد أي سي جي/ ACG (مجموعة العقاب للاستشارات) من الشركات الرائدة في هذا المجال حيث تعي تماماً أهمية الحوكمة في العمل المؤسسي مدركة مدى أهمية تطوير وتحسين ما يستوجبه تفعيل الحوكمة من ممارسات وآليات وتحرص على أن تقدم كل ذلك لعملائها. ففريقها الاستشاري يدرك أثر تطبيق الحوكمة في تحسين الأداء العام للعملاء وفي تحسين أنظمة وفاعلية مؤسساتهم الإدارية بشكل خاص. فإهتمام العقاب بإستمراية أعمال عملائها في جو تنافسي استدعى الى أن تحرص الشركة على تقديم خدمات واستشارات يتم من خلالها تقديم أنموذج الحوكمة الرشيدة مفعلة بذلك عمليات الدمج والاستحواذ والشراكات وتقليل المخاطر عن طريق تنويع الأصول.